بقلم الأستاذ الدكتور حسن عبد العال
كلية التربية جامعة طنطا
ليس من أبناء جيلى وأجيال كثيرة قبله وبعده ، من لم ينهل من الكتاتيب علما ، تلك التى كانت فى زمننا الملاذ الأول للطفل ، يتعلم فيها حروف الهجاء ، ويحفظ ما تيسر له من القرآن الكريم ، قبل التحاقه بالمدرسة . وعندما كانت الكتاتيب منتشرة بكثرة فى بلادنا ، لم يكن الطفل يعانى من مشكلات القراءة والكتابة عند التحاقه بالمدرسة كما يحدث الآن.
كانت هذه الكتاتيب مؤسسات تعليمية مجانية فى كثير من الأحيان أى دون مقابل مادى ، إلا ما كان يجود به الأهالى للشيخ المعلم ، وكان دورها لا ينكر فى تحفيظ الأطفال القرآن كاملا ، أو أجزاء منه منذ الصغر ، وكم حرصت هذه الكتاتيب على اكساب الأطفال مهارات طلاقة اللسان ، وسلامة النطق باللغة العربية الفصحى ، مما سهل عليهم الولوج الى المدرسة دون عثرات تذكر فى القراءة والكتابة . كما ساهمت هذه الكتاتيب فى محو أمية الناس ، فعندما كانت منتشرة فى كل قرية وحى ، كنا قلما تجد من لا يعرف القراءة والكتابة ، سواء التحق بالمدرسة أم لا ، فالفلاح والعامل والحرفى لأنه التحق بالكتاب كان يعرف القراءة والكتابة ، ويحفظ قدرا من القرآن الكريم يصلى به .
وقد تقلصت هذه الكتاتيب فى بلادنا أو قل زالت واندثرت ، وعوض عنها برياض الأطفال ، لكن مع اندثار هذه الكتاتيب وانتشار رياض الأطفال ظهرت على السطح بعض المشكلات منها :
— أن الكتاتيب كانت فى متناول كل فئات المجتمع باعتبار أن الشيخ فى القرية يحمل على عاتقه رسالة تعليم الصغار ، وغالبا ما يكون ذلك مجانا او فى مقابل زهيد ، مما يسر درب التعليم أمام الصغار ، بينما رياض الأطفال غالبا ما تكون بمقابل مادى ، مبالغ مالية ،يعجز الكثير من الأسر الفقيرة عن دفعها .
— وغالبا فى هذه الرياض لا يتعلم الأطفال ولا يحفظون القرآن الكريم ، حتى بتنا الآن نعايش اجيالا من المتعلمين لا يحفظون شيئا من القرآن ، وربما لا يعرفون القراءة فى المصحف
— وغالبا أيضا ما يهمل تعليم اللغة العربية فى رياض الأطفال ، فى الوقت التى تحرص فيه على تعلم لغة أجنبية فى الطفولة المبكرة ، وبات الاباء يفتخرون بأن ابناءهم يتحدثون بلغات أجنبية ، ولا يعرفون اللغة العربية ، ومع أننا لسنا ضد تعلم اللغات الأجنبية ، لكن لا ينبغى أن يكون ذلك على حساب اللغة الأم . . اللغة العربية ، ان من العيب ان لا يتكلم وأن لا يتعلم الانسان لغته ، وأظن أن اهمال اللغة العربية ستكون له عواقب غير محمودة .
فهل نأسف على اندثار الكتاتيب ، وما أسهمت به فى تعليم القران الكريم ، واللغة العربية التى نزل بها هذا الكتاب الكريم ؟